تجارة الأعضاء البشرية.. ظاهرة مقلقة وتداعيات وخيمة | مركز سمت للدراسات

تجارة الأعضاء البشرية.. ظاهرة مقلقة وتداعيات وخيمة

التاريخ والوقت : الأحد, 9 سبتمبر 2018

بدأ الاهتمام بالإنسان كقيمة سوقية قابلة للبيع والشراء تدريجيًا مع طغيان الطابع التجاري على العصر الحديث، فمن تحريم زرع الأعضاء البشرية وإثارته للجدل بين علماء الدين، تدخل المرحلة الثانية بإجازة زراعته، ومن ثَمَّ الإقبال الكثيف على الأعضاء نتيجة تزايد الأمراض حديثًا، ومع تشديد القوانين على تلك التجارة بدأت تأخذ منحنى من الرواج السري حتى باتت وحشًا يهدد المجتمعات، ويجعل الإنسان سلعة باهظة الثمن في السوق التجاري.

شهدت تجارة الأعضاء البشرية رواجًا غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة، لا سيَّما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في الوقت الذي تشهد فيه بعضٌ من تلك الدول تفككًا أمنيًا ساعد على انتشار “تجارة الدم”، التي تخطت بفضل عوامل اجتماعية كونها عرضًا في سجل الجرائم البشرية إلى أحد أهم الروافد المالية لبعض التجمعات في المنطقة، مدعومة بشبكات واسعة النفوذ انحصر عملها في مراحل التجارة من التسويق إلى البيع مرورًا بالسمسرة.(1)

بيد أنَّ الإحصاء الذي يُجرى حصره لعمليات جرى ضبطها في المنطقة، يبدو ضئيلاً بالنسبة للعمليات الأخرى التي لا تزال خلف أعين الأجهزة الأمنية، غير أنَّ العوامل التي دفعت لرواج تلك التجارة تبدو هي نفسها التي تحول دون وقوع العشرات من شبكات الاتجار غير الشرعي في الأعضاء البشرية بأيدي الأجهزة الأمنية، وهي بدورها تحمل من المخاطر المستقبلية ما يُضاهي مظاهرها الحالية.

حلقات ومراحل

بقراءة المحتوى ورصد العمليات التي يجري ضبطها، فإنَّ سماسرة تلك التجارة يستخدمون ثلاث سبل للإيقاع بالضحية – إن كانت في الأساس تحت وصف الضحية كما سنُبيّن لاحقًا – وهي: الإغراء، أو الإكراه، أو السرقة،(2) بالنظر إلى أنَّ حلقات التجارة تتوزّع بين أطراف أو حلقات ثلاث، هي:

 أولاً: الحلقة الأولى تتمثل في عملية تخطيط مسبقة من قبل شبكات على أعلى درجات الاحتراف الطبي والتقني والفني للإيقاع بالضحيّة، تبدأ باختيار المناطق التي يستهدفونها للإيقاع بالضحايا، أو بالاختراق لاستغلال بعض الحالات القابلة للتضحية بجزء من جسدها مقابل المال.

ثانيًا: الحلقة الثانية التي تعتبر الأهم في تلك التجارة، تتمثل في سماسرة محترفين أيضًا في التعامل مع الطرفين (الضحية والمشتري)، وهؤلاء يتمتعون باحترافية في إدارة المراحل الثلاث في سريّة تامة.

ثالثًا: الحلقة الثالثة هي المشتري، الذي في الغالب يكون مستفيدًا غير مباشر بتلك الأعضاء بهدف التجارة، ويمتلك هو الآخر نفوذًا وعلاقات أوسع على المستوى الإقليمي للنجاح في تسويق بضاعته.(3)

مظاهر وأشكال

بالنظر إلى تعدد الأسباب والدوافع لتزايد ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية، فإنَّ مظاهر رواج تلك التجارة الأكثر ربحًا من بين التجارات الأخرى غير الشرعية، تتمثل في الآتي:

أولاً: أحد مظاهر الحصول على الأعضاء البشرية يأتي في أثناء إجراء العمليات الجراحية، لا سيَّما في المستشفيات الخاصة، فيلجأ الطبيب إلى سرقة أحد أعضاء المرضى دون علمهم، وهو ما أثبتته كثير من الوقائع في المنطقة أخيرًا.(4)

ثانيًا: الطريقة الأخرى للحصول على الأعضاء تأتي عن طريق عمليات الخطف، لا سيَّما مع انتشار تلك الجريمة.(5)

ثالثًا: مظهر آخر لرواج تلك التجارة يتمثل في أطفال الشوارع، الذين يُعتبرون الصيد الأسهل والأكثر ربحًا في آنٍ معًا، بالنظر – أيضًا – إلى كثرة الأطفال غير الشرعيين.(6)

رابعًا: تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي، أحد أهم مظاهر رواج تلك التجارة، لتسهيل عمليات الشراء والبيع، بالنظر إلى سهولة التسويق وتلاشي الحدود؛ ما يمثل وسيلة سهلة للتواصل للإيقاع بالضحايا، وهذا ما ظهر بشكل علني في الآونة الأخيرة.(7)

خامسًا: تتمتع تلك التجارة بدرجة عالية من السريّة، وهو ما جعل ثمة صعوبة أمام الأجهزة والحكومات للتصدي لانتشارها على نطاق واسع.

أسباب جوهرية

كما أسلفنا، فإن تجارة أعضاء الجسد تستند إلى احترافية عالية على خلاف غيرها من عمليات التجارة غير الشرعية، باعتبارها تحتاج إلى دقة فنية وطبية، بخلاف كونها عابرة للأقطار وحدود الدول، بيد أنَّها تأتي في مجملها لأسباب عديدة من بينها:

أولاً: الانفلات الأمني الذي صاحب وتزامن وأعقب ما يسمى بـ”الربيع العربي”، ما سهَّل التجارة وأوجد طرقًا عديدة لتنفيذها.(8)

ثانيًا: تدني الحالة الاقتصادية للكثير من المجتمعات في السنوات القليلة الماضية بوصول مستوى المعيشة إلى مستويات صعبة جدًا، يحول دون القدرة على توفير أقل الاحتياجات الأساسية.

ثالثًا: انطلاقًا من النقطة السابقة، تُركِّز شبكات الاتجار بالأعضاء البشرية – بشكل أساسي – على الفقر والجهل، فتلجأ إلى المجتمعات الأكثر فقرًا أو تجمعات اللاجئين والمهاجرين، الذين هم بحاجة ماسة إلى أية دخول مالية، إذ يكونون على أتم الاستعداد لبيع أجزاء من الجسد بالنظر إلى إغراءات بآلاف الدولارات.(9)

رابعًا: يبدو الطريق إلى عملية الاتجار بالأعضاء البشرية، أسهل من غيرها من الممارسات غير الشرعية، حيث يجد السماسرة حيلاً قانونية لشرعنة ممارساتهم، بكتابة “عقد تبرع” بين الطرفين (المشتري والبائع)، يقرُّ فيه المتبرع بتنازله عن العضو الجسدي وهو في كامل إرادته ومن دون الحصول على عائد مادي.(10)

خامسًا: الأحداث الأمنية التي تشهدها دول الشرق الأوسط، تبدو سببًا آخر، ما أدى إلى وجود ملايين اللاجئين والمهاجرين الذين يتعرضون لحياة معيشية غاية في الصعوبة تدفعهم لبيع جزء من جسدهم لتوفير متطلبات الحياة، وهو ما جرى توثيقه في الكثير من التحقيقات الاستقصائية أخيرًا.(11)

سادسًا: انطلاقًا من الزاوية السابقة، يغض المجتمع الدولي الطرف عن مواجهة تلك الظاهرة، بالنظر إلى أنَّها تزيح عن كاهلهم إشكالية انتقال المهاجرين إلى أراضيهم، نظير البقاء في دول الشرق الأوسط، حتى وإن كان على حساب “تجارة الدم”.(12)

سابعًا: تعتبر القارة الإفريقية سوقًا رائجة لتلك التجارة بالنظر إلى توافر أغلب العوامل السابقة، سواء الحالة الاقتصادية السيئة، أو الفقر والجهل، ومن ثَمَّ التوترات الأمنية التي تجعل من التهرب من القانون أمرًا سهلاً لدى شبكات الاتجار.

ثامنًا: عامل آخر يبدو أحد الأسباب الوجيهة لتزايد عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية، يتمثل في زيادة أعداد المحتاجين للأعضاء من المرضى في أنحاء العالم، في ظل التقدم العلمي والتقني الطبي، وما حققه من إنجازات علمية في نقل وزراعة الأعضاء البشرية؛ ذلك أنَّه عند حدوث تلف لعضو في جسم الإنسان، ولا يوجد متبرع، يكون اللجوء إلى شراء العضو.(13)

تاسعًا: العامل الأكثر أهمية – أيضًا – يتمثّل في كثرة عدد أطفال الشوارع؛ مما يجعلهم صيدًا ثمينًا لشبكات الاتجار، بغرض سرقة الأعضاء، ومن ثَمَّ قتل الضحية.(14)

عاشرًا: تزايد عمليات الاتجار بالبشر، وهي المقدمة الرئيسية لسهولة الاتجار في الأعضاء بالأشخاص القابلين لعمليات البيع والشراء يكونون أكثر استعدادًا للتنازل عن جزء من جسدهم مقابل آلاف الدولارات.

تداعيات وخيمة

إزاء ما سبق، فإن عمليات الاتجار المتزايدة خلال السنوات الماضية، تلقي بتداعيات وخيمة على عدة صُعُد، من بينها:

أولاً: تزايد أية ظاهرة سلبية وتفاقم حدودها، يعقّد عملية السيطرة عليها، وهو ما قد يدفع الحكومات إلى اللجوء للحلول الأقل ضررًا، والتي قد تصل إلى مراحل التقنين المؤقت أو الجزئي.

ثانيًا: يدفع رواج تلك التجارة إلى تزايد عمليات الخطف والسرقة، خاصة للأطفال في المنطقة.

ثالثًا: فقدان الأمان المجتمعي، لا سيَّما لدى القطاع الطبي الذي ثبت تورطه خلال الفترة الماضية باشتراكه مع عصابات الاتجار.

رابعًا: جميع المؤشرات تشير إلى أن تلك التجارة ستشهد مزيدًا من الرواج، لا سيَّما مع تأكيدات طبية تأتي في صالح بعض الأعضاء التي تنتقل إلى الأشخاص، وبخاصة الكُلى، إذ أثبتت التجارب الطبية أنَّ مانحي الكلى الأحياء يعيشون أطول من الأفراد الذين يتمتعون بكليتين.(15)

النتائج

1- شهدت تجارة الأعضاء البشرية رواجًا غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة، لا سيَّما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالنظر إلى تحوّل الاهتمام بالإنسان كقيمة سوقية قابلة للبيع والشراء تدريجيًا مع طغيان الطابع التجاري.

2- سماسرة تلك التجارة يستخدمون ثلاث سبل للإيقاع بالضحية، وهي: الإغراء، أو الإكراه، أو السرقة، من خلال حلقات ثلاث، هي: عملية التخطيط، والسماسرة المحترفون، والمشتري.

3- مظاهر رواج تلك التجارة الأكثر ربحًا من بين التجارات الأخرى غير الشرعية، من خلال إجراء العمليات الجراحية أو عمليات الخطف، بالنظر إلى كثرة أطفال الشوارع، ومواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تمتعها بدرجة عالية من السريّة.

4- تجارة أعضاء الجسد تستند إلى عدة أسباب من بينها الانفلات الأمني، وتدني الحالة الاقتصادية، الذي يخلف الفقر والجهل، فضلاً عن سهولة التحايل على القانون، وزيادة أعداد المحتاجين للأعضاء من المرضى في أنحاء العالم، فضلاً عن تزايد عمليات الاتجار بالبشر وهي المقدمة الرئيسية لسهولة الاتجار في الأعضاء.

5- تزايد عمليات الاتجار يلقي بتداعيات وخيمة من بينها تعقيد عملية السيطرة عليها، وتزايد عمليات الخطف والسرقة، وفقدان الأمان المجتمعي، فضلاً عن رواج أكثر ينتظر التجار بالنظر إلى دعم التجارب الطبية اللجوء إليها.

 

وحدة الدراسات الاجتماعية 

المراجع

1- كيف أصبح الاتجار بالأعضاء البشرية سوقًا رائجًا؟ فرانس 24. https://bit.ly/2MGrETY

2- التجارة الحرام.. من يقف خلف مافيا بيزنيس الأعضاء البشرية؟ وهل نحتاج لتعديل تشريعي؟ صوت الأمة. https://bit.ly/2wzsCHy

3- من التعارف حتى الاتفاق.. تفاصيل مثيرة في تجارة الأعضاء البشرية، الأخبار. https://bit.ly/2PvJZjp

4- مصر.. “جماعة إجرامية” من أطباء وممرضين إلى المحاكمة، سكاي نيوز. https://bit.ly/2PqhrYC

5- جريمة خطف الأطفال.. 3 آلاف زهرة تغتالها يد الغدر سنويًا، صوت الأمة. https://bit.ly/2NG4RUO

6- “المصرى اليوم” ترصد جرائم بيع “قطع الغيار البشرية” في رحاب “السيدة”. https://bit.ly/2Pudn9L

7- الكلية بـ8 آلاف جنيه.. تحقيقات النيابة مع عصابة “تجارة الأعضاء على فيسبوك”، الفجر.  https://bit.ly/2PthTW4

8- لماذا حذرت نيجيريا مواطنيها من تجارة الأعضاء البشرية في مصر؟ العربي. https://bit.ly/2wBYdaI

9- تجارة الأعضاء البشرية نتيجة انتشار الفقر والجهل، بوابة المدار. https://bit.ly/2NDOUhJ

10- تجارة ضد الإنسانية.. مافيا عالمية تبيع الأعضاء البشرية لأعلى سعر، الأهرام. https://bit.ly/2wyEqZM

11- كيف أصبح الاتجار بالأعضاء البشرية سوقًا رائجًا؟ فرانس 24. https://bit.ly/2MGrETY

12- أشياء لا تصدق .. التاريخ “المخزي” لتجارة الأعضاء بأميركا، سكاي نيوز. https://bit.ly/2LQh0Vt

13- أخلاقيات التبرع بالأعضاء من قبل المتبرعين الأحياء”، الرياض. https://bit.ly/2LRgTbX

14- جرائم بيع “قطع الغيار البشرية” في رحاب “السيدة”، المصري اليوم. https://bit.ly/2Pudn9L

15- أسباب انتشار تجارة الأعضاء البشرية فى مصر، الأموال. https://bit.ly/2NHrGHs

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر