الظهور المفاجئ للبغدادي.. هل يعيد “داعش” للحياة مجددًا؟ | مركز سمت للدراسات

الظهور المفاجئ للبغدادي.. هل يعيد “داعش” للحياة مجددًا؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 27 أغسطس 2018

 

 في ظل الحديث حول دحر تنظيم “داعش” الإرهابي في العراق والشام، وتقهقره بعد تعرضه لضربات عسكرية أفقدته جانبًا كبيرًا من قوته المزعومة، والحديث حول مقتل أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، ظهر البغدادي في تسجيل صوتي مفاجئ يدعو فيه أنصاره إلى الصمود وشن المزيد من الهجمات في دول التحالف الدولي الذي يحارب التنظيم بسوريا والعراق، وهو ما أثار أحاديث عدة وتساؤلات حول وفاة البغدادي.ففي التسجيل الصوتي الذي كانت مدته حوالي 55 دقيقة، هنأ البغدادي من وصفهم بأنهم “الأسود الضارية” المسؤولة عن تنفيذ هجمات في الآونة الأخيرة في كندا وأوروبا، ودعا أنصاره لاستخدام القنابل والسكاكين، أو السيارات لشن هجمات.

 من اللافت للنظر أن البغدادي قد هنأ أنصاره بعيد الأضحى، وهو ما يؤكد أن الرسالة قد سجلت في الفترة الأخيرة. بيد أن حديث البغدادي الذي جاء فيه أن “ميزان النصر أو الهزيمة عند المجاهدين، ليس مرهونًا بمدينة أو بلدة سلبت، وليس خاضعًا لما يملكه مملوك من تفوق جوي أو صواريخ عابرة للقارات أو قنابل ذكية”.. يوضح بجلاء أن التنظيم تسيطر عليه فكرة الانتشار حول العالم بهجمات متفرقة، وليس التركيز على الاستيلاء على الشام أو العراق فقط، فحديث البغدادي حول شن هجمات في كندا وأوروبا يثبت ذلك.

ظهور البغدادي استدعى تعليقًا من الجيش الأميركي حول الواقعة، جاء على لسان المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأميركي، ويليام أوروبان، الذي قال “لن أعلق على تقييمنا للتسجيل، فنحن لا نعرف أين يوجد أبو بكر البغدادي في هذا الوقت، ولكنه لا يزال شخصًا نهتم بإزالته من ساحة المعركة”، بالإضافة إلى قوله إن مسؤولين أميركيين يعتقدون أن زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي ما زال على قيد الحياة(1)..  وهو ما نستدل عليه من أنه في فبراير 2018 قال عدد من المسؤولين الأميركيين إن البغدادي قد أصيب في غارة جوية في مايو.(2) 2017

 ويبدو أن تقهقر التنظيم إلى الصحراء بعد هزائم متتالية في هجمات منفصلة في العراق والشام – بعد أن كان يسيطر على مساحات كبيرة من سوريا والعراق حتى العام الماضي –   يجعلنا نرجح احتمال أن البغدادي يختبئ في منطقة الحدود العراقية السورية بعد أن خسر كل المدن والبلدات التي كانت تخضع لما يسمى بـ”دولة الخلافة”. ومما يستدعي المفاجأة، هو ورود أنباء عدة في أوقات سابقة عن مقتل البغدادي، أو إصابته منذ أن قاد مقاتليه في اجتياح شمال العراق. ورغم أن مكانه لا يزال غير معروف، فإن الخطاب يوحي بأنه ما زال على قيد الحياة.(3)

رسائل عديدة

خطاب البغدادي بعث عدة رسائل يجب ملاحظاتها وتتمثل في: طول المدة الزمنية بين خطاباته، واختبائه المستمر، وبحث التنظيم عن مناطق أخرى لتنفيذ هجماته، وجودة الفيديو تكشف رحيل فريق الدعاية، وأن البغدادي منفصل عن الواقع، وعدم حديثه حول حياته.

1- طول المدة الزمنية بين خطاباته

خطاب البغدادي الحالي ليس الأول من نوعه، حيث كانت آخر رسالة من البغدادي في صورة تسجيل صوتي مدته 46 دقيقة نشرته مؤسسة “الفرقان” التابعة للتنظيم في سبتمبر الماضي، ودعا فيه أنصاره في أنحاء العالم لشن هجمات على الغرب ومواصلة القتال في العراق وسوريا ومناطق أخرى. كما ظهر – أيضًا – في خطاب من أحد مساجد الفلوجة بالعراق وهو يتبادل الأحاديث مع بعض الأطفال، أثناء مسابقة دينية في الفلوجة، بعد مرور حوالي 18 شهرًا من ظهوره في مايو عام ٬2014 عندما كان يؤدي خطبة الجمعة في المسجد الكبير في مدينة الموصل شمال العراق(4).واللافت في الأمر، أنه زادت المدة الزمنية التي تفصل بين رسائله أولاً إلى حدود الـ100 يوم، ثم 200 يوم، ثم 300 يوم، وكان الخطاب قبل الحالي منذ 328 يومًا.

2- اختباؤه المستمر

يبدو أن اختباءه المستمر هو العامل الرئيسي الذي يحد بشكل كبير من قدرته على الاستجابة للأحداث الكبرى، إذ إن هناك العديد من القضايا التي حدثت في الفترة الماضية ولم تساعد في كسر الروتين الذي اعتاده البغدادي في خطاباته، فليس هناك أقوى مما أثير حول دحر التنظيم وتقهقره في العراق والشام الذي يدعي أنهما مناطق سيطرته، فضلاً عن وفاة ابنه.

3- “داعش” يبحث عن مناطق أخرى لتنفيذ هجماته

ظهر ذلك الأمر بوضوح في خطاب البغدادي، وهو ما يمثل اعترافًا واضحًا بأن تنظيم”داعش” الإرهابيتدهور بشدة في مناطق عملياته التقليدية، وبالتالي بدأ بالبحث عن هجمات قوية وكبيرة من قبل المسلحين والمتعاطفين معه في الخارج، إذ دعا البغدادي إلى شن المزيد من الهجمات في دول التحالف الدولي الذي يحارب التنظيم بسوريا والعراق، بالإضافة إلى تهنئته من وصفهم بأنهم “الأسود الضارية” المسؤولة عن تنفيذ هجمات في الآونة الأخيرة في كندا وأوروبا.

4- جودة الفيديو تكشف رحيل فريق الدعاية

جودة فريق الدعاية الخاص بـ”داعش” كان مثار حديث كبير في الفترة الماضية، فالأفلام والفيديوهات التي بثها تنظيم “داعش” الإرهابيلتوثيق جرائمه امتازت بالدقة والجودة العالية وكانت على قدر كبير من الاحترافية، إذ اعتمد صانعوها على تأثير الصورة لترسيخ ما يريدون توصيله من تهديدات، وهو ما غاب في رسالة البغدادي، فلم تضاهِ جودة الفيديو سابقاته، وهذا ما يجعلنا نرجح احتمال أن فريق الدعاية لـ”داعش” قد رحل ولم يتمكن التنظيم من استبداله، وهو ما يمثل خسارة كبيرة.. فـ”داعش” كان يعتمد على الدعاية لاستقطاب مقاتلين جدد.

5- البغدادي منفصل عن الواقع

بعد تعرض التنظيم لهزائم أدت إلى تقهقره، فمن المؤكد أن أنصاره يريدون الاختباء واتباع سياسة الكمون، وعدم شن هجمات في الوقت الحالي؛ وهو عكس ما دعا إليه البغدادي، إذ حثهم على توسيع نطاق شن الهجمات.

6- لم يتحدث حول حياته 

من الواضح أن زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي قد تجاهل مسألة في غاية الأهمية، وهي الحديث حول ما أثير عن مقتله، إذ كان عليه أن ينفي – على الأقل – الشائعات حول حياته وصحته(5).

سيناريوهات مستقبلية

خطاب البغدادي والحديث حول مستقبل “داعش”، يجعلنا نتوقع العديد من السيناريوهات، فأسلوب السيناريوهات هو الأمثل عندما يتسم المشهد بالغموض:

1- استمرار التنظيم بقوة أقل وعودة الحياة إليه مرة أخرى

ظهور البغدادي مرة أخرى ودعوة أنصاره لشن المزيد من الهجمات، يجعلنا نتوقع استجابتهم لحديثه، وتوسيع نطاق هجماتهم وتنفيذ بعض منها في مناطق مثل: أوروبا وأميركا، وليس الشرق الأوسط فقط. ومن الواضح أن عدة آراء تؤكد ذلك؛ إذ يرى الكثيرون أن الحديث حول انتهاء أسطورة تنظيم”داعش” الإرهابي هو ضرب من التهويل والخيال، وأن التنظيم ما زال محتفظًا ببعض قوته، وهو ما نستدل عليه من حديث القائد في جهاز مكافحة الإرهاب العراقي الفريق، عبدالوهاب الساعدي، وقوله إن العديد من مقاتلي التنظيم قد فروا مع نزوح المدنيين.

2- إفلاس التنظيم وهزيمته

من المرجح – أيضًا – أن التنظيم قد أصبح مفلسًا، وأن دعوة البغدادي أنصاره لتوسيع نطاق الهجمات، ما هو إلا محاولة التمسك برمق أخير من الحياة، وهو ما يرجح سيناريو هزيمة التنظيم الذي ندلل عليه بإعلان الجيش العراقي القضاء على إرهاب”داعش”، وإعلان نفس الأمر من قبل نظيره السوري في نهاية عام 2017 بسيطرته على مدينة البوكمال آخر معاقل التنظيم الإرهابي.

 3- نشوب خلاف وانقسام داخل التنظيم

ظهور البغدادي ودعوة أنصاره لاستكمال مهمتهم في شن الهجماتالإرهابية، من المحتمل أن يؤدي إلى نشوب خلافات عدة بين أعضاء التنظيم. فبالطبع هناك من سيؤيده ويدعو لاستكمال المسيرة، ومن يريد اتباع سياسة الكمون والحفاظ على حياته، وهو الأمر الذي يرجح تفكك التنظيم من داخله، ووجود احتمال انبثاق جماعة أو تنظيم مماثل.

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع 

 1-الجيش الأميركي يعلق على الظهور المفاجئ لأبو بكر البغدادي، وكالة سكاي برس.

https://bit.ly/2PCN2Hv

2-خطاب منسوب للبغدادي.. والقيادة المركزية للجيش الأميركي تعلق، سي إن إن عربية.

https://cnn.it/2MAlHaU

3-واشنطن تعتقد أن البغدادي لا يزال على قيد الحياة، الشرق الأوسط.

https://bit.ly/2LtvQkj

4-بالصور.. ظهور مفاجئ للبغدادي في الفلوجة، روسيا اليوم.

https://bit.ly/2PFIkbT

5- أمور كشفتها رسالة البغدادي الأخيرة، أخبار الآن.

https://bit.ly/2Mzzr5N

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر