السعودية.. جهود راسخة لنشر الوسطية والاعتدال | مركز سمت للدراسات

السعودية.. جهود راسخة لنشر الوسطية والاعتدال

التاريخ والوقت : الخميس, 12 يوليو 2018

 

مجتمع حيوي قيمه راسخة وبيئته عامرة وبنيانه متين.. تمثل الجملة السابقة في حقيقتها أكبر من كونها أول محاور “رؤية السعودية 2030″، التي أعلنها سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وأخذ على عاتقه تنفيذ خطواتها ورعاية خطاها؛ إذ إن الجملة تعبر – أيضًا – عن إلمام سمو الأمير بأهمية الدين في تكوين الدول، وضرورة القيم في تقوية المجتمع والحفاظ عليه، وهو ما أيقنه ولي العهد السعودي بحكم النشأة والتربية، وبحكم الثقافة والاطلاع المبكر والقراءة بإدراك وعناية لأسباب وظروف نشوء الأمم والدول.

غير أن اللافت في نظرة سمو ولي العهد السعودي، لأهمية الدين في المجتمع، أنها اتسمت بالجمع بين ضرورة الالتزام بالدين كعامل رئيس في تكوين الأمة، والنظرة للدين على أنه عنصر صالح لكل زمان ومكان، لا يتحجر أو يتجمد أو يقف عند وقت معين، ومن هنا كانت دعوته التي أطلقها مرارًا، بأنه يريد لبلاده أن تعود إلى الإسلام المعتدل الوسطي المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان، بدلاً من أن ينشغل شباب المملكة، جيلاً بعد جيل، بالتعامل مع أفكار متطرفة تزعم أنها تمثل الإسلام، وهي أبعد ما تكون عنه، وتستخدمه فقط مطية لتحقق أغراضها ومآربها، دون النظر لخطورة استخدام الدين والمتاجرة به.

لم تدخر المملكة العربية السعودية وقيادتها أي جهد في مواجهة هذه الأفكار المتطرفة التي ذاق العالم أجمع من ويلاتها، واكتوت كافة الدول المسلمة وغير المسلمة بنيرانها، ولم تفرق في إهدار الدم بين أعجمي وعربي، أو أبيض وأسود، أو شرقي وغربي، فالكل أمام التطرف مشروع أهداف مباحة للقتل والتدمير. وانطلاقًا من إيمان قيادة المملكة بدورها التاريخي، كونها مهد الإسلام وحجر الزاوية في العالم الإسلامي بأسره، وبها قبلة المسلمين التي تهفو قلوبهم إليها، كان لزامًا على قيادة بلد الحرمين الشريفين أن تقود هي جهود دحر التطرف، وتؤكد للعالم أجمع أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال، وهو ما التقطته قيادة المملكة، وأخذت على عاتقها مهمة التنفيذ.

مركز الحرب الفكرية

في مطلع مايو 2017، أسست وزارة الدفاع السعودية، مركزًا متخصصًا لملاحقة الإرهاب فكريًا باسم “مركز الحرب الفكرية”، الذي يرأس مجلس أمنائه وزير الدفاع، حيث يختص المركز بمواجهة جذور التطرف والإرهاب وترسيخ مفاهيم الدين الحق. ويُلاحق المركز برئاسة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، أيديولوجية التطرف في عالمه الافتراضي الذي يُشكِّل أهم أدوات انتشاره، كما يُواجه المواد التي تبثها الآلة الإعلامية للتطرف بالطرح العلمي والفكري المؤصَّل على الفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة.

و‎يعمل‫المركزعلى تقديم مبادرات فكرية للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، كما يُحصِّن الشباب حول العالم من التطرف ببرامج وقائية وعلاجية. ويسعى المركز لتحقيق الريادة العالمية في محاربة أفكار التطرف والإرهاب المنسوبة إلى الإسلام، حيث يقوم بتنظيم الجهود في مكافحتها من خلال رفع مستوى الوعي العام بحقيقة الإسلام وتعزيز المناعة الفكرية للفئات المستهدفة من قبل الجماعات المتطرفة والإرهابية، وتفويت الفرصة على التطرف والإرهاب، وقائيًا وعلاجيًا، ودعم الصورة الذهنية الإيجابية عن دين الإسلام وإيضاح قيمه الرفيعة.

ويهدف المركز إلى تكوين فهم عميق ومؤصّل لمشكلة التطرف من خلال أسباب وكوامن النزعات المتطرفة، وفهم الأدوات والمنهجيات التي تستخدمها الجماعات المتطرفة، وتحديد الفئات المستهدفة من قبل تلك الجماعات، والتعاون الفعّال مع المؤسسات المحلية والعالمية. كما يهدف إلى تطوير وبناء وتنفيذ خطط فاعلة لمكافحة التطرف، بما في ذلك تعزيز قيم الاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم في سياق الإيمان بحتمية التنوع والتعددية، والإفادة من الدراسات والبحوث من خلال إنشاء منصات علمية وفكرية وملتقيات عالمية وكراسٍ بحثية وأدوات استطلاع وتحليل.

ومن أهداف المركز – أيضًا – عرض قيم ومبادئ الدين الحق بخطاب يراعي تفاوت المفاهيم والثقافات والحضارات منسجمًا مع سياقه العصري، والانتشار عن طريق وسائل الإعلام والاتصال مع عقد الشراكات العالمية، وتنظيم المؤتمرات والندوات وحلقات النقاش، ولا سيَّما مع مراكز التأثير والاستشراف بغية تحقيق إيجابية التوسع والانتشار، وإطلاق الحملات العامة لتوجيه الرأي العام إلى إشراك المجتمعات في تعزيز هيمنة الرؤية المعتدلة.

مركز اعتدال

كذلك، في أواخر مايو 2017، افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبمشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وقادة دول إسلامية؛ المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف، الذي أطلقت عليه قيادة المملكة اسم “اعتدال”. وأكد الملك سلمان – حفظه الله – أن الإعلان عن إطلاق مركز “اعتدال” لمواجهة الفكر المتطرف، جاء بهدف نشر مبادئ الوسطية والاعتدال، ومواجهة التغرير بالصغار، وتحصين الأسر والمجتمعات، ومقارعة حجج الإرهابيين الواهية؛ لأن التطرف يولد الإرهاب، منوهًا بأن مركز “اعتدال” هو ميزان العمل لتحقيق الخطوة التي طال انتظارها لتحصين الشباب أمام دعوات التطرف، خاصة تلك التي انتهجت منهج توظيف الوسائل التقنية لخدمة الإرهاب وتنظيماته ورعاته.

تدشين أعمال مركز “اعتدال” الدولي، مثَّل شراكة دولية لمكافحة التطرف، ويرتكز عمله على المواجهة الفكرية عبر خبراء دوليين، مستندًا إلى ثلاثة مرتكزات رئيسية: فكرية ورقمية وإعلامية، وتقوم محاوره على الرصد والتحليل والتفاعل، في شتى أنحاء العالم. ويسعى المركز المتخصص بالمواجهة الفكرية، الذي يعد ثمرة تعاون كبير في مجال مكافحة الإرهاب عالميًا، إلى أن يصبح المرجع الأول عالميًا في تعزيز ثقافة الاعتدال والوسطية، من خلال رصد الفكر المتطرف، واستشراف خطط القائمين وراء الفكر، ووضع خطط ورؤى وقائية للتصدي له بالتعاون بين الأجهزة المختصة والمنظمات الدولية، إضافة إلى مجاميع الوسائل الرقمية من شركات وأفراد.

ويعزز مركز “اعتدال” من رؤيته في سبيل التصدي للخطابات المتطرفة، في ضوء تطور الإعلام الاجتماعي وتأثيره؛ ما يعني وضع أطر تنفيذية تجعل هناك اتساقًا بين الإعلام والأمن، تهدف إلى القضاء على ثالوث: (التطرف، والغلو، والإرهاب)، وتفعيل المرجعيات الدينية والاجتماعية، وفتح قنوات التواصل مع الشباب العربي، في ظل ما يستهدف الدول العربية من حملات إعلامية بغية تدمير وحدة الأوطان والتعايش فيها. “اعتدال” في بوصلة علاج التطرف بمرتكزات متنوعة تحمل الحصر والتحييد، بوقود وسطي يحارب الطائفية التي عزفت على وترها “داعش” أخيرًا، في مرحلة استقطابها الأولى، والذي تحولإلى سلوكيات عدوانية وصلت إلى ترويع المجتمعات واستهداف الآمنين من المدنيين الأبرياء. ويسعى مركز مكافحة التطرف “اعتدال”، إلى رصد المظاهر الداعية إلى التطرف ورصد خطورتها، خاصة أنها عابرة للحدود والجنسيات، وقد ظهرت في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية مضطربة، واستغلت هذه الأوضاع من أجل اكتساب قوتها.

توجيه خادم الحرمين

الدعوة لمواجهة التطرف كانت – ولا تزال – استراتيجية المملكة، ومن هنا، كان توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في خطابه بعد افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى، رسالة تحذيرية للمتطرفين المعادين لـلتنمية في المملكة، مؤكدًا استمرار المملكة في مكافحة التطرف بأشكاله، ومواصلة مسيرة التنمية بما لا يتعارض مع ثوابتها، مشيرًا إلى دور المملكة المؤثر في المنظمات الإقليمية والدولية، مؤكدًا أن المملكة تسعى إلى تطوير حاضرها وبناء مستقبلها والمضي قدمًا على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر، بما لا يتعارض مع ثوابتها، متمسكين بالوسطية سبيلاً والاعتدال نهجًا كما أمرنا الله بذلك، معتزين بقيمنا وثوابتنا.

وأكد الملك سلمان – حفظه الله – أن رسالة المملكة للجميع أنه لا مكان لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً، ويستغل العقيدة السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حرب المملكة على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه، مشددًا على محاسبة كل من يتجاوز ذلك، فالمملكة كانت – ولا تزال – على رأس حماة الدين، وقد شرفها الله بخدمة الإسلام والمسلمين، مشيرًا إلى أن للمملكة دورًا مؤثرًا في المنظمات الإقليمية والدولية، وتحظى بتقدير إقليمي وعالمي مكَّنها من عقد قمم تاريخية في توقيتها ومقرراتها، شارك فيها عدد كبير من قادة الدول الشقيقة والصديقة، وأسست لعمل مشترك يستهدف تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، مبرزًا أن المملكة واصلت دورها الريادي الفاعل في التصدي لظاهرة الإرهاب وتجفيف منابعه.

جهود المملكة لنشر الوسطية

إن جهود المملكة من أجل ترسيخ الوسطية والاعتدال، ليست محل نقاش، كما أن الحديث عنها باستفاضة سيحتاج إلى صفحات طوال وأوقات أطول. لذلك، يمكن أن نشير إلى أهم هذه الجهود في عدة نقاط محددة، تؤكد أن جهود المملكة لترسخ الوسطية والاعتدال ودحر التطرف والإرهاب، لا تركز على جانب بعينه، ولا تغفل مجالاً مهمًا، ومن هذه الجهود:

1- تأسيس وزارة الدفاع السعودية مركزًا متخصصًا لملاحقة الإرهاب فكريًا باسم “مركز الحرب الفكرية”.

2- افتتاح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف “اعتدال”.

3- في 2015، انطلق برنامج “سفراء الوسطية”، الذي نظمته جامعة طيبة بالتعاون مع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، لمدة يومين، بمشاركة نخبة من المدربين وطلاب 20 جامعة سعودية، لتدريبهم على الوسطية ونشر مفهوم التوسط والاعتدال بينهم.

4- في نوفمبر 2017، أكد الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة المدينة المنورة، أن رسالة الوسطية والاعتدال، بمثابة خيار استراتيجي للمملكة منذ تأسيسها، وقد عزز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – هذه الرسالة السامية، عبر خطوات عدة، منها تدشين المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف “اعتدال” في العاصمة الرياض، لتكون المملكة نبراسًا عالميًا في مكافحة الفكر المتطرف وتعزيز ثقافة الوسطية والاعتدال، جاء ذلك خلال رعايته برنامج “سفراء الوسطية” الذي نظمته جامعة طيبة بالمدينة المنورة في موسمه الثاني.

5- في أبريل 2018، وبتشريف كريم من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، شارك مركز الأمير خالد الفيصل للاعتدال، بالتعاون مع الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين، في إقامة ورشة عمل بعنوان “صناعة المبادرات في الوسطية والاعتدال” التي عقدت في رحاب الحرم المكي الشريف.

6- اهتمت قيادة المملكة بتعزيز دور حملة “السكينة لتعزيز الوسطية”، وهي حملة إلكترونية تطوّعية مستقلة تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية انطلقت عام 2003، وتزايد دورها أخيرًا، إذ وقّعت الحملة مع الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية التي تتخذ من سويسرا مقرًا لها، مذكرة تفاهم للتعاون المشترك في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، كما وقّعت مذكرة تفاهم مع جامعة مولاي مالك إبراهيم بإندونيسيا، وعددًا من مذكرات التفاهم مع عدد من الجهات والمؤسسات العلمية والثقافية في ماليزيا، ومركز الشرق الآسيوي لمكافحة الإرهاب، والمركز الدولي للعنف السياسي، وبحوث الإرهاب. كما نظمت دورة تدريبية في مقاطعة رون ألب الفرنسية، بالتعاون مع فيدرالية مسجد باريس الكبير، والهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية تحت عنوان “كيف نفكك أفكار التطرف والإرهاب”.

 

جهود المملكة في نقاط

يمكن تلخيص الجهود السابقة في عناصر ونقاط محددة، كما يلي:

1- تأسيس مركز الحرب الفكرية.

2- تأسيس مركز اعتدال.

3- إطلاق برنامج سفراء الوسطية.

4- مشاركة الجامعات في نشر الوسطية بين صفوف الطلاب.

5- إقامة ورش عمل عن صناعة مبادرات الوسطية والاعتدال.

6- تعزيز دور حملة السكينة لتعزيز الوسطية.

7- توقيع مذكرات التفاهم مع الهيئات والمراكز العالمية والأوروبية والآسيوية، لمكافحة التطرف والإرهاب.

8- توقيع مذكرات التفاهم مع جامعات ودول في بلدان إسلامية لنشر الوسطية ومكافحة التطرف.

9- إقامة دورات تدريبية في بلدان غربية لتفكيك أفكار التطرف.

لقد دشنت قيادة المملكة مرحلة أكثر وضوحًا وصرامة في التعاطي مع قضايا عقائدية اجتماعية، بقيت لسنوات طويلة مصدر قلق وإرباك، وتحولت إلى مادة استغلتها جهات خارجية ومنظمات تكفيرية، واستخدمتها لزعزعة الاستقرار الاجتماعي الذي أثّر مباشرة في الحياة السياسية، وعطل حركة تطورها في أماكن كثيرة من الوطن العربي.

 

وحدة الدراسات الاجتماعية*

المراجع

1- رؤية المملكة العربية السعودية 2030 – موقع “رؤية 2030” – http://vision2030.gov.sa/

2- محمد بن سلمان: نعود إلى الإسلام المعتدل المنفتح – صحيفة الشرق الأوسط – https://bit.ly/2gC6aFh

3- ثلاثية التعددية والوسطية والاعتدال – صحيفة الشرق الأوسط – https://bit.ly/2JhFhSP

4- صناعة المبادرات في الوسطية والاعتدال – صحيفةالمناطق – https://bit.ly/2zwodsV

5- «اعتدال» السعودي يواجه التطرف ويعزز الوسطية – صحيفة الشرق الأوسط – https://bit.ly/2NLrcR5

6- فيصل بن سلمان: الوسطية والاعتدال خيار إستراتيجي للمملكة – صحيفة عكاظ – https://bit.ly/2LbLly7

7- «حملة السكينة»: السعودية وصلت إلى «النضج» في تعزيز الوسطية – صحيفة الحياة – https://bit.ly/2NHZIvX

8- ماذا تعرف عن مركز الحرب الفكرية السعودي؟ – صحيفة الشرق الأوسط – https://bit.ly/2mb6b5Z

9- «حملة سكينة»: 43 ألف مادة لتعزيز الوسطية ومكافحة التطرف – https://bit.ly/2Nao7ZY

10- أمير «مكة» يدشن ملتقى «ميثاق» لخدمة ضيوف الرحمن – صحيفة الحياة – https://bit.ly/2ucXTi6

11- السكينة تفكك أفكار التطرف في فرنسا – صحيفة الوطن – https://bit.ly/2NKNGlb

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر