الخليج وأزمة ولاية الفقيه | مركز سمت للدراسات

الخليج وأزمة ولاية الفقيه

التاريخ والوقت : الخميس, 15 مارس 2018

مي الشريف

 

اتسمت العلاقات الخليجية والإيرانية، قبل الثورة الخمينية عام ١٩٧٩، بالدبلوماسية التي تخللتها بعض الأزمات ذات البعد السياسي لا الطائفي. ولكن، وبعد نجاح الثورة الإيرانية ورحيل الشاه عن بلاده، تغيّرت السياسة الإيرانية إلى أيديولوجيا متطرفة طائفية منصوص عليها في وصايا الخميني نفسه. حيث قام قائد الثورة روح الله الموسوي الخميني (١٩٠٣-١٩٨٩م) بتطبيق “ولاية الفقيه” المطلقة، التي تعني – ببساطة – أن المنصب الأعلى في هرم النظام السياسي في إيران، يكون للمرشد الأعلى في الثورة الإيرانية، وهو الولي السياسي والديني على كافة المسلمين في العالم، وطاعته واجبة كطاعة المهدي المنتظر لأنه بمقام النائب عنه. فكان الخميني أول مرشد أعلی للثورة الإسلامية ليأتي من بعده المرشد الحالي السيد علي خامنئي.

وفي هذه الأيام، تستمر المظاهرات والاحتجاجات الغاضبة ضد الحكومة الإيرانية في عدة مدن في العالم، وذلك بعد اعتقال السلطات الإيرانية لرجل الدين الشيعي حسين الشيرازي “نجل المرجع الديني آية الله العظمى السيد الصادق الحسيني الشيرازي”، وذلك لتماديه في انتقاد السلطة الدينية في إيران، وبالتحديد بعد حديثه عن نظام ولاية الفقيه، في درس له أمام مجموعة من طلابه، ذكر فيه أن ولاية الفقيه تؤدي إلى قيام سلطة دينية ديكتاتورية باسم الدين، وشبّه المرشد الأعلى خامنئي بـ”فرعون العصر”، فأثارت تصريحات حسين الشيرازي جدلًا واسعًا، حتى استدعته المحكمة الدينية لتفرج عنه لاحقًا، ويعتقل بعدها.

أمَّا المقصود بـ”المرجعية”، فهو العالم الديني الذي وصل أعلى الكفاءات الفقهية ليكون مرجعًا للعامة يستفتونه في أمورهم الدينية والدنيوية. فلا يجتمع الشيعة على تقليد فقيه أو مرجع واحد، بل إن كل مجموعة تختار ما تراه معروفًا بالكفاءة الدينية المناسبة. فتُعتبر المرجعية الشيرازية من المرجعيات الشيعية الاثني عشرية المعروفة والمعارضة لنظام الولي الفقيه الحاكم في إيران. ظهر هذا الخلاف بعد الثورة الإيرانية ١٩٧٩م، فبعد مشاركة المرجعية الشيرازية في إنجاح الثورة الإيرانية ودعمها للخميني، ظهرت الاختلافات التي أدت إلى خلافات فقهية ومعارضة سياسية انتهت إلى فرض الإقامة الجبرية على آية الله الشيرازي (١٩٢٨-٢٠٠١م). والسبب في ذلك، أن المرجع الشيرازي يؤمن بنظرية “شورى الفقهاء”، أو “ولاية الفقهاء”، لا بولاية الفقيه الكاملة العصماء بقراءتها الخُمينيَّة، فدعا إلى إلزامية الشُّورَى، ومحدودية الولاية، ومشاركة المراجع المعتبرين كافَّةً في الحكم السياسي، أي فصل الدين عن الدولة؛ ممَّا أدى إلى مواجهة وصدام مباشر مع المرشد الأعلى وقائد الثورة روح الله الموسوي الخميني، الذي يؤمن بالاستئثار الديني والسياسي التامّ له كولي وأن طاعته واجبة كطاعة الإمام المهدي المنتظر.

سيناريو المجادلات حول “ولاية الفقيه” موجودة في الكتب والمراجع الفقهية الشيعية، ولها نصيب من اختلاف ودفع وجذب بين الفقهاء خلال القرنين الماضيين، لكنها ظهرت على نطاق التطبيق بعد بلورة الخميني لها واعتمادها بصرامة بعد نجاح ثورته في إيران. وبسببها اختلف معه كثير من المرجعيات والفقهاء الشيعة ولم يؤيدوا سلطة نظام “ولاية الفقيه”. فكان أبرز معارضيه، هو أقرب قادته ونائبه السابق آية الله منتظري (١٩٢٢-٢٠٠٩م)، والسيد محمد كاظم شريعتمداري (١٩٠٥-١٩٨٦م)، فانتهى أمرهما بالإقامة الجبرية. كذلك زعيم المدرسة النجفية ومرجع ملايين الشيعة الاثني عشرية في العالم، أبو القاسم الخوئي (١٨٩٩-١٩٩٢م)، الذي كان صريحًا بإصدار حكم عدم جواز الجمع بين الدين والسلطة الزمنية. كذلك المرجع الشيعي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله (١٩٣٥-٢٠١٠م)، الذي نقل عنه في موقعه الشخصي، أنه لا يرى صحة الولاية العامة للفقيه، وأنها لم تثبت بالنصوص الشرعية في الكتاب والسنَّة، ولهذا السبب حورب من قبل حزب الله في لبنان الذي يؤمن بولاية الفقيه. وأخيرًا، المرجع عبدالرسول الحائري الإحقاقي (١٩٢٨-٢٠٠٣م)، أحد رجال الدين الشيعة البارزين ومرجع أغلب الأحسائية في الدول الخليجية .

كذلك، من المراجع الدينية الشيعية في البلدان العربية الحالية مَن يرفضون تقليد النموذج الخميني الإيراني في مسألة “ولاية الفقيه”، آية الله العظمى السيد علي السيستاني في العراق، الذي قاطع الوسط السياسي العراقي، ومارس عبر منبره الفقيه الديني، رافضًا أن تكون المرجعية لها علاقة بالشؤون السياسية إلا في حدود ضيقة، محطمًا فيها مساعي القوة السياسية العراقية الموالية لإيران لتطبيق ولاية الفقيه في العراق. كذلك من المرجعيات العراقية في النجف، السيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ إسحاق فياض، والشيخ بشير النجفي. أمَّا من لبنان، فهناك الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي، المعمم محمد علي الحسيني الذي يسعى إلى إيجاد مرجعية عربية شيعية لفصل لبنان عن ولاية الفقيه الإيرانية المتمثلة في حزب الله. ويستدل بهذا أن نسبة عظيمة من الشيعة الاثني عشرية لا تؤمن بولاية الفقيه، وليس هذا وحسب، فهناك مذاهب أخرى شيعية لا تؤمن بها كالزيدية والإسماعيلية المنتشرة في دولة اليمن.

وبعد انكشاف خيوط المؤامرات الإيرانية الطائفية وأهدافها التوسعية في المنطقة من جهة، وضعف حجة ولاية الفقيه من جهة أخرى، التي تمر حاليًا بأكبر أزمة لها على صعيد الجمهور العادي، والتي برهنت المظاهرات المستمرة والهتافات الغاضبة تدني الإيمان بها، واستمرارية جدل الخلاف الفقهي والانتقادات عبر المؤسسات الدينية، مما يزيد نسبة المعارضة للنظام الإيراني، وتحت هذه المعطيات السابقة، فإن من الحكمة احتواء المواطنين الشيعة في الدول الخليجية ودعم المراجع الدينية التي لا تؤمن بولاية الفقيه لمواجهة مرجعيات أصبحت فاقدة استقلالية الرأي، بسبب هيمنة ولائها للنظام الإيراني ومؤسساته، وإلا فقد تنجح المحاولات الإيرانية بجعل ولاية الفقيه، هي الممثل الأكثر هيمنة لغالبية الشيعة، وهذا ما تهدف إليه السياسة الإيرانية لإعادة إحياء إمبراطوريتها الفارسية متخذة من التشيع وسيلة لتحقيق مرادها.

كاتبة وباحثة سعودية *

@ReaderRiy

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر