الحرب على الفساد.. ميدان قتال جديد للمملكة | مركز سمت للدراسات

الحرب على الفساد.. ميدان قتال جديد للمملكة

التاريخ والوقت : الإثنين, 6 نوفمبر 2017

 

 

في 2014، وقف الأمير محمد بن سلمان أمام الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله – مؤديًا القسم المعتاد بعد تعيينه وزير دولة، عضو مجلس الوزراء، قائلاً: “أقسم بالله العظيم، أن أكون مخلصًا لديني، ثم لمليكي وبلادي، وألا أبوح بسر من أسرار الدولة، وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها، وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص”.

 

 

في أبريل 2016، قال الأمير محمد بن سلمان، في حوار مع الإعلامي تركي الدخيل بقناة العربية: “الفساد موجود بلا شك. الفساد موجود في كل المجتمعات وفي كل الحكومات وبنسب متفاوتة. الذي يهمنا اليوم، أن نكون في مقدمة الدول في مكافحة الفساد وأقل نسب فساد في العالم”.

 

 

في مايو 2017، توعَّد الأمير محمد بن سلمان، الفاسدين بالملاحقة، مؤكدًا في مقابلة على قناة “إم بي سي” مع داود الشريان، أن أي شخص يثبت ضده الفساد لن ينجو كائنًا من كان. كما شدد على أنه إن لم تكن مكافحة الفساد على رأس السلطة، فلا جدوى منها، مضيفًا أن أي أحد تتوفر ضده الأدلة الكافية سيحاسب أكان وزيرًا أم أميرًا.

 

 

في الرابع من نوفمبر 2017، يصدر خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمرًا ملكيًا بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة، من أجل متابعة حاليين وسابقين، تلك كانت حصيلة أولية لحرب القيادة السعودية على الفساد؛ ليعلن ملك الحزم تدشين مرحلة جديدة لضرب الفساد بسيف الإصلاح وتحت عنوان “لا نخشى في الله لومة لائم بحزم وعزيمة لا تلين”.

 

 

قد يسأل البعض: لماذا هذا السرد؟ نجيب بأن أي محاولة لقراءة وفهم القرارات الملكية السابقة، لا تستقيم دون وضعها في نصابها وتسلسلها الزمني الصحيح. فهذا التسلسل يثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن القيادة السعودية الحالية، منذ الوهلة الأولى لها، تتربص بكل ما يعيق تقدم ونهوض المملكة، سواء كانت العوائق أفكارًا متطرفة وأيدلوجيات عفا عليها الزمن، أو أوكارًا وجحورًا يرتع فيها الفساد وينعم بما ينهبه.

 

 

قبل أيام، كانت المملكة على موعد مع خطوة جديدة ضمن ثورة المملكة المجتمعية الرامية إلى إعطاء المرأة كافة حقوقها ومعاملتها بما تستحق، واليوم كانت على موعد مع خطوة أهم وأخطر مما سواها.. الحرب على الفساد.

 

 

إذا كان صاحب السمو الملكي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، هو مهندس رؤية 2030 للنهوض بالمملكة ووضعها في مصاف الدول الكبرى، فإن من الطبيعي والمنطقي أن يهتم ذاك المهندس بأهم ركن في أركان التقدم، والحديث هنا عن الاقتصاد بمعناه الواسع جدًا، بداية من الأرقام والإحصائيات، مرورًا بالمشروعات العملاقة، وصولاً إلى توفير مستوى المعيشة اللائق بشعب المملكة، وهو جوهر العملية الاقتصادية عامة.

 

 

إذا كانت القاعدة تقول إن “الاقتصاد قاطرة السياسة”، فإن الفساد يعد أكبر أمراض الاقتصاد، بغض النظر عن طبيعة هذا الاقتصاد والمدرسة الفكرية التي ينتمي إليها، رأسمالية كانت أو اشتراكية، فالفساد كالكفر ملة واحدة، ولا عجب أن يهتم مهندس رؤية 2030 بمحاربة “الكفر” بكافة أشكاله وصوره المختلفة، سواء كان على هيئة إرهاب غاشم، أو تطرف بغيض، أو فساد عتيد، ومهما تعددت مكونات الفساد وأسبابه، فإن نتائجه تصب في وعاء واحد، ألا وهو الهدر الاقتصادي للموارد المادية والمالية للمجتمع.

 

 

تعرف القيادة السعودية جيدًا، أن آثار الفساد الاقتصادي تظهر بشكل عام على مؤشرات التنمية وعلى القدرة التنافسية للاقتصاد، حيث توجد علاقة عكسية بين انتشار سلوك الفساد وقدرة الاقتصاد على التنافس الخارجي، وإذا كان الفساد يخفض الاستثمار المحلي ويقلل الاستثمار الأجنبي، فمن الطبيعي أن يكون الفساد مخفضًا للنمو الاقتصادي .

 

 

ربما تكون آثار الفساد من الموضوعات التي قتلت بحثًا في كافة دول العالم، لكن الفساد نفسه يظل حجر عثرة كبير أمام طموحات التنمية والتقدم، ويصعب من مهمة مواجهته أن المتربحين منه – غالبًا – يكونون من “الهوامير” الكبيرة التي يترسخ لديها اعتقاد يصل إلى درجة اليقين أنهم فوق النقد أو الحساب، وأن مصالحهم وجيوبهم أهم من الأهداف التنموية للدولة، ولا تجد غضاضة في السير مع التيار إذا كانت إدارة الدولة عفية شابة طموحة، لكنها لن تكون صادقة في الانصياع لخطة هذه الإدارة الرامية في الأساس إلى تخليص البلاد والعباد من فسادهم وإفسادهم.. وهنا تمكن صعوبة مواجهة رؤوس الفساد.

 

 

لكن، ولأن قيادة المملكة تعلم جيدًا، أن هدفها هو رفعة السعودية ودفعها إلى مصاف دول الرفاه، وأن الهدف يستحق الوقوف بشكل قوي في وجه من يحول دون تحقيق هذا الهدف، كانت قرارات إحالة كل المتورطين في قضايا الفساد على مدار سنوات وسنوات، ولم يقتصر الأمر على واقعة واحدة، كما لم تتوقف محاربة الفساد عند رأس معينة، أو تتراجع أمام منصب معين، بل طالت كل المتورطين في قضايا الفساد، مهما كانت الأسماء أو المناصب، أو حتى صلات القرابة، والأخيرة دومًا ما تكون أهم العقبات، لا سيما حين يكون الحديث عن دولة عربية.

 

 

لقد حققت قيادة المملكة الخطوة الأولى والأهم والأصعب في محاربة الفساد، فالخطوة الأولى في أي مشروع هي تاريخه الكبير بعد ذلك، وهي الشرارة التي تلهب في أرضه قوادح النار، وأصبح العالم مقتنعًا أن قيادة المملكة، ممثلة في خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، جادة في سعيها، ولم تدفن القيادة السعودية رأسها في الرمل، أو ترفض مواجهة حقيقة وجود الفساد، وهذا في حد ذاته أول خطوات العلاج من هذا المرض العضال.

 

 

بالنظر إلى المعطيات التي كانت سببًا في تحرك ولي العهد، بصفته رئيسًا للجنة مكافحة الفساد، سنجد أن المملكة تراجعت في مؤشر مدركات الفساد من الـ48 دوليًا في 2015، إلى الـ62 دوليًا في عام 2016، بحسب منظمة الشفافية الدولية. رغم أن هيئة «مكافحة الفساد» أحالت 111 قضية شبهة فساد واستغلال نفوذ لمسؤولين حكوميين، إلى الجهات الرقابية في 2016، لاتخاذ القرارات التأديبية في شأنها، كلها تتعلق بارتكاب جرائم استغلال نفوذ الوظيفة لمصلحة شخصية، والتزوير في محررات رسمية، وتبديد المال العام، وسوء الاستعمال الإداري، والتحايل بقصد إخفاء الجريمة. وتمكنت الهيئة من استرداد مبالغ بليونية كبيرة جراء اختلاسات وجرائم فساد، لافتة إلى أنها استعادت العام الماضي 463 مليون ريال تمَّ اختلاسها من عاملين في جهات حكومية عدة.

 

 

“ثورة 4 نوفمبر”.. هكذا استقبل المواطنون قرارات قيادة المملكة، وهكذا وصفوها، بل إن بعض النشطاء وصفوا الأمير محمد بن سلمان بـ”فانديتا” الشخصية الأشهر في أدب الثورات، إيمانًا منهم بخطورة وأهمية القرارات التي أصدرتها لجنة مكافحة الفساد التي يرأسها سمو ولي العهد.. وإذا كان السعوديون يتألمون من الفساد للدرجة التي جعلتهم يتقدمون بأكثر من 22 ألف بلاغ إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة” في الفترة من 2011 إلى 2014، فإنهم – بالقطع – الأكثر سعادة بقرارات ولي العهد، إذا تأكد لديهم أن قيادة المملكة تشعر بما يشغل شعبها وتتحرك دون مواربة للتخلص من الفساد.

قضايا المال العام ومكافحة الفساد.

 

 

وبعد تشكيل اللجنة بسويعات، أوقفت عددًا من الأمراء والوزراء السابقين ورجال الأعمال، كما أعادت فتح ملف سيول جدة والتحقيق في قضية وباء كورونا.. 11 أميرًا و38 وزيرًا ونائب وزير

 

 

وحدة الدراسات السياسية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر