الاتحاد الأوروبي يذوق ما صنعت يداه | مركز سمت للدراسات

الاتحاد الأوروبي يذوق ما صنعت يداه

التاريخ والوقت : الجمعة, 16 نوفمبر 2018

جون أوثيرز

 

تحاول المملكة المتحدة، التي صوتت لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي (بريكست)، بدأب التفاوض للخروج وتتخذ موقفاً صارماً في هذا الشأن. وحال إخفاقها، فإنها تواجه مخاطرة حقيقية للخروج من الاتحاد دون التوصل لتسوية، الأمر الذي سيتطلب منها على الفور إعادة التفاوض بخصوص 759 اتفاقية مع 168 دولة مختلفة.

 

ولا تقتصر لعبة التصادم تلك على المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وإنما تمتد كذلك إلى فرق مختلفة داخل المملكة المتحدة ذاتها. وقد استقال وزراء من حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي لرغبة بعضهم في اتباع نهج أكثر صرامة حيال الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، بينما رفض البعض، مثل وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، الأمر برمته ويفضل طرحه على استفتاء جديد.

 

وتكمن المشكلة التي تواجه الفرق المتناحرة في أن أي خيار يبدو ممكناً في الوقت الراهن سيكون أسوأ بكثير عن الوضع الراهن، وسيؤدي إلى تنازل المملكة المتحدة عن حقها في التصويت داخل الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي تبقى فيه خاضعة لبعض قواعد الاتحاد على الأقل. إلا أن زعماء الحكومة والمعارضة استبعدوا طرح الأمر على استفتاء جديد. وعليه، فإنه في ظل عدم التوصل لاتفاق أو طرح أي مقترح آخر، يصبح من المحتمل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي دونما اتفاق.

 

ومن المحتمل أن تكون هناك مبالغات في تقدير أخطار الخروج من الاتحاد الأوروبي دونما اتفاق، بل ووصلت المخاوف إلى حد خشية عدم تمكن إقلاع الطائرات من مطار هيثرو، بينما يجري وضع خطط لتخزين أدوية وأغذية قبل ما يمكن أن يتحول إلى أزمة.

 

وهناك أيضاً إيطاليا، التي تعاني ميزانيتها من عجز أكبر بكثير وتواجه توسعاً مالياً أكبر بكثير عما تسمح به معاهدة ماسترخت المبرمة عام 1991، والتي حددت شروط انضمام الدول الأعضاء لليورو. الشهر الماضي، رفض الاتحاد الأوروبي رسمياً الموازنة الإيطالية، في إجراء بدا أنه ضروري. ومن دون فرض قدر من الانضباط، من الممكن أن تتبع دول أخرى أعضاء نهج إيطاليا ويفقد اليورو مصداقيته. وفي مواجهة الموقف الصارم الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي في مواجهة دول مثل البرتغال واليونان وقبرص وإجبارها على إقرار سياسات تقشف صارمة مقابل تجنب الخروج من منطقة اليورو، يبدو أن الاتحاد لم يكن أمامه خيار سوى إجبار إيطاليا على صياغة موازنة جديدة.

 

إلا أن الحكومة الإيطالية لا تنظر للأمر على هذا النحو. ويواجه الاتحاد الأوروبي مشكلة أن سوق السندات لا تساعد في تسوية هذا الموقف. وبالنظر إلى عائدات السندات السيادية الإيطالية، نجد أن تجار السندات نظروا إلى نتائج الانتخابات الإيطالية المثيرة للقلق برضا كامل. وقد ارتفعت العائدات بقوة في أواخر مايو (أيار) عندما بدا واضحاً فجأة أن حركة «ليغا» اليمينية الشعبوية وحركة «الخمس نجوم» الشعبوية اليسارية ربما تتمكنان من العمل معاً والإضرار بتجار السندات. وارتفعت العائدات من جديد مع اتضاح معالم المواجهة أمام الاتحاد الأوروبي، لكنها ظلت مستقرة لأسابيع حتى الآن.

 

ورغم أن هامش الدائن على هذا المستوى يخلق ظروفاً صعبة بالنسبة لإيطاليا، فإنه يبقى من الممكن تجاوزها. وقد سبق أن أعلنت الحكومة الإيطالية أنه لا ينبغي له تجاوز 4 نقاط مئوية. اليوم، يبقى الهامش أقل عن هذا المستوى بصورة آمنة، الأمر الذي يبدو أنه يبث في إيطاليا مزيداً من الجرأة. وقد أعلن ماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي، أمام حشد من الصحافيين، الاثنين الماضي، أن «الميزانية لا تتغير لمجرد أن الاتحاد الأوروبي بعث لنا بخطابات».

 

أيضاً، يساعد إيطاليا في موقفها وضع أسواق الأسهم والعملات؛ ذلك إن اليورو في تراجع، ما يزيد الصعوبة أمام الاتحاد الأوروبي أن يقدم على مخاطرة الدخول في مواجهة شاملة مع إيطاليا. أيضاً، تعاني أسهم البنوك من مشكلات خطيرة، ما يزيد أيضاً من صعوبة اتخاذ أي تحركات ضد إيطاليا.
ولدى مقارنة الموقفين، نجد أن تبعات تحقق السيناريو الكارثي مع إيطاليا ستكون أفدح كثيراً عنها مع المملكة المتحدة، ذلك أنه سيعني تفكك منطقة اليورو، الأمر الذي سيكون بمثابة حدث مؤسف لا سابقة له وستمتد تأثيراته على جميع اقتصاديات العالم. أما المملكة المتحدة، فإنها في نهاية الأمر ليس عضواً من الأساس في منطقة اليورو.

 

في الوقت ذاته، عانت الأسهم الأميركية من عمليات بيع سريع وحشي، الاثنين الماضي. ورغم أن هذا الأمر تكمن وراءه أسباب عدة، يبدو أن السبب الرئيسي يكمن في تصحيح القيمة المبالغ فيها لأسهم «فيسبوك» و«أمازون» و«آبل» و«نتفليكس» و«غوغل».

 

وفي هذه النقطة، يبدو المستثمرون على استعداد لدفع مزيد من المال مقابل النمو الذي يمكن توقعه في عائدات أسهم المنتجات الاستهلاكية الأساسية، أكثر من استعدادهم لدفع مال مقابل إمكانات النمو في عائدات أسهم «آبل» أو «أمازون» أو العناصر الكبرى الأخرى في «ناسداك». ويبدو هذا الأمر برمته خارج حدود المألوف.

 

من ناحية أخرى، فإن القلق بخصوص التعريفات أكبر اليوم بكثير عما كان عليه الحال منذ عام مضى، عندما كان المسؤولون التنفيذيون لدى الشركات مدركين جيداً لأن الولايات المتحدة لها رئيس جرى انتخابه بناءً على خطاب حمائي قوي.

 

واليوم، تواجه المكسيك أكبر خطر بالنسبة للبيزو المكسيكي منذ انتخاب رئيسها الجديد، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، في الصيف. وثمة قلق عارم في البلاد، خاصة مع خسارة «بانورتي»، أكبر البنوك المستقلة في المكسيك، قدراً صادماً من رأسماله السوقي. وقد تراجعت قيمة البنك بمقدار الثلث، أو 7 مليارات دولارات، في الشهر الماضي فقط. ويتمثل السبب وراء ذلك في استمرار المخاوف الدولية من اتخاذ إجراءات صارمة ضد قطاع البنوك المكسيكي.

 

وبالتزامن مع هذه المشكلات، عاد وباء الإيبولا ليطل برأسه من جديد في جمهورية الكونغو الديمقراطية وحصد الآن ما يزيد على 200 ضحية، ما يعني أنه بلغ نقطة يمكنه عندها التحول إلى وباء كاسح. جدير بالذكر أنه في يوليو (تموز)، تم الإعلان عن نهاية ثامن موجة تفشٍ للوباء في البلاد، بعدما حصدت أرواح 88 ضحية.

 

ومع أن بعض الأصوات المتفائلة تشير إلى أن العلاجات تطورت اليوم عما كانت عليه وقت التفشي الأول للوباء عام 2008، وأصبح من الممكن السيطرة عليه بسرعة أكبر اليوم، فإنني أقترح على المستثمرين ضرورة وضع أمر هذا الوباء نصب أعينهم.

 

المصدر: جريدة الشرق الأوسط بالاتفاق مع بلومبيرغ

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر