إيران.. سجل من اغتيال الحريات وانتهاك الحقوق | مركز سمت للدراسات

إيران.. سجل من اغتيال الحريات وانتهاك الحقوق

التاريخ والوقت : الأربعاء, 6 ديسمبر 2017

تتصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيران بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، كامتداد لسجل حافل من تلك التجاوزات التي أزعجت أوساطًا دولية وإقليمية نددت كثيرًا بارتكاب النظام الإيراني انتهاكات ضد الأقليات، أو الطائفة السنية في ظل استمرار سياسة تكميم الأفواه التي اقترنت بالنظام الديني منذ ثمانينيات القرن الماضي، وفق معطيات ودلائل قاطعة غرست في النظام الثيوقراطي منهجية لا تسمح بمرور الأتباع والموالين سياسيًا.

وكتب قرار اللجنة المعنية بالشؤون الاجتماعية والإنسانية المنبثقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14 نوفمبر الماضي، بإدانة استمرار انتهاك حقوق الإنسان في إيران، صفحة جديدة سلطت الضوء على استمرار الانتهاكات التي دفعت الأمم المتحدة إلى الدعوة لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات التي وصفتها بـ”الصارخة”، بالإضافة إلى تزايد حالات الإعدام.

 

قلق دولي

القرار يكشف بشكل أكثر وضوحًا، استمرار إيران في ممارساتها غير القانونية تجاه مواطنيها وانتهاكها لحقوقهم من خلال أشكال عدة، بيد أن اللافت في مشروع القرار هو أن من أعدته هي دولة كندا التي تربطها علاقات متذبذبة مع إيران في الفترة الأخيرة، فقد قطعت علاقتها معها في ٢٠١٢، معتبرة أن طهران تمثل تهديدًا للأمن العالمي.

بالتطرق إلى نمط التصويت، فإن معسكر المؤيدين للقرار شمل الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين من المحتمل أن تتخذا ذلك القرار كخطوة تمهيدية لفرض مزيد من العقوبات على إيران. وبالطبع، فإن الصين وروسيا اللتين تربطهما مصالح قوية مع إيران قد اعترضتا، فبكين المستورد الأكبر من طهران لن توافق على قرار يدين الأخيرة .

إثارة القرار للعديد من ردود الفعل المحلية والدولية، تبرز متابعة معظم دول العالم لانتهاكات حقوق الإنسان الواضحة في إيران، ولعل تصريح عبدالله المعلمي، مندوب المملكة العربية السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة، بأن المملكة تثمن جهود كندا لتقديم مشروع القرار، وتصريح مندوبة كندا بأنه ثمة قلق دولي إزاء تزايد الإعدامات، وعدم تعاون إيران مع الآليات الأممية الهادفة للمحافظة على حقوق الإنسان، دليل واضح على تزايد القلق الدولي إزاء ممارسات السلطة الإيرانية في هذا الملف.

 بيد أن ردود الفعل الإيرانية الرسمية جاءت – كالعادة – تقليدية، ولم تجد ردودًا واقعية أكثر من الذهاب إلى كون القرار “مسيسًا”، إلا أن زعيمة المعارضة مريم رجوي، استندت بالقرار إلى ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي خطوات عملية ضد النظام الفاشي في إيران؛ بسبب انتهاكاته الوحشية لحقوق الإنسان.

بعد نجاح ثورة 1979 لم يكن الإيرانيون يرغبون في إيصال رجال الدين للسلطة، ولم يرغبوا في استبدال التاج بالعمامة، إلا أن وصولهم كان إيذانًا بأن الإيرانيين لن ينعموا بالحرية التي نشدوها،  فلم يدركوا أن نظام الملالي سيصبح أشد سوءًا من جهاز السافاك الذي أرعبهم لعقود طويلة 

 

إعدامات عقب الانتهاكات

فسرعان ما استيقظ الإيرانيون على واقع أكثر سوءًا، فاستخدام أسلوب الإعدامات تجاه المعارضين ما زال موجودًا بدرجة أكبر من السابق حتى احتلت إيران – وفق تقارير دولية – المرتبة الأولى في عدد الإعدامات بالنسبة لسكان البلد، والأولى في إعدام الأطفال، والثانية في إعدام النساء؛ إذ أعدمت طهران عشرات المراهقين قبل إكمال عامهم الثامن عشر، كما أقدمت السلطات على اغتصاب الفتيات العذارى قبل إعدامهن، ولعل مجزرة ١٩٨٨ هي الأبشع في التاريخ الإيراني وتشير إلى وحشية من ارتكبها.

وتضاربت المؤشرات بشأن أعداد الضحايا بين ألف واثني عشر ألفًا، بينما تشير بعض التقارير إلى بلوغهم  ثلاثين ألفًا، وهو ما ينذر بوحشية المجزرة وازدياد حالات الإعدام التي صعب رصدها بشكل دقيق، ثم إن إحاطة عمليات الإعدام بحالة من الغموض والسرية، هي خير شاهد على كونها غير قانونية ومستندة إلى تقديرات ظالمة أو تصفية خلافات شخصية. كما أن منع المراقبين من حضور المحاكمات، ومنع المحامين من لقاء موكليهم، يكذب حجج السلطات الإيرانية بكون تلك الإعدامات تتم بدوافع قانونية .

 

اضطهاد الأقليات

لم تكتفِ إيران بتنفيذ حالات إعدام كثيرة جعلتها من أولى الدول التي تزداد بها معدلات تلك العقوبة، بل دأبت على اضطهاد الأقليات الموجودين على أراضيها، كالأكراد وعرب الأحواز الذين لم تتوانَ في مصادرة أراضيهم، متجاهلة المادة ١٢ من دستورها الذي ينص على حق التنوع الاثني، إذ تنص على أن المذهب الجعفري الاثني عشري، هو مذهب الدولة الرسمي. فإيران المتشدقة بأنها تحمى حقوق مواطنيها المختلفين، تمنع بناء أي مسجد للسنة في طهران، وتستخدم العنف في معاملة الأكراد وعرب الأحواز، فاعتقالها لما يقرب من ٣٠٠ كردي وارتفاع مصادرتها لأراضي الأحواز بنسبة ١٦٢% عن العام الماضي، هو خير دليل على ذلك.

 

المرأة في قلب المعاناة

ووضع المرأة الإيرانية ليس أفضل من وضع الأقليات العرقية والدينية، ففضلاً عن عقوبات تفرض على الزي، فإن المرأة الإيرانية تجابه مجموعة من القيود في العمل وغياب الحماية الأساسية. كما لا تصنف طهران العنف الأسري ضد النساء كجريمة، فالآباء والأشقاء مسموح لهم بقتل البنات لأنهم “أصحاب دمائهن”. والتقارير في ذلك الشأن صادمة، حيث ألقى تقرير “هيومان رايتس ووتش”، الضوء على عدد الإيرانيات مقابل الرجال داخل أروقة العمل، ليخلص إلى أن ١٤.٩% فقط من النساء الإيرانيات عاملات، بالمقارنة بـ٦٤.١% من الرجال، وهو ما يبرز الوضع المزري لنساء إيران تحت حكم الملالي .

 

حرية التصفح

ووفق الدلائل، فإن الصراع الفكري المحتدم بين التيارين الإصلاحي والمحافظ في إيران، قد أثَّر في ملف حرية الإنترنت ومواقع التواصل في إيران، ففي الوقت الذي يطالب فيه المحافظون بفرض رقابة صارمة على مواقع الإنترنت، يحاول الإصلاحيون تجاوز ذلك والمطالبة برفع تلك القيود؛ مما جعل منظمة “فريدم هاوس” تقرُّ في عام ٢٠١٦ بأن إيران الأكثر قمعًا لحرية الإعلام بسبب حجبها لمواقع التواصل. فروحاني الذي اعتمد على الإنترنت في الانتخابات، فشل في إدخال المزيد من الحرية عليه بالنسبة للمواطنين، وهو الأمر الذي يعد تناقضًا بين ما تقوم به السلطة الإيرانية وما تقوله، وبين ما تنفذه على أرض الواقع .

وإن كانت حرية الإنترنت ومواقع التواصل محجوبة، فالصحافة في إيران تشهد قمعًا كبيرًا، وذلك وفقًا لدستور البلاد الذي يضع السم في العسل، فبينما يكفل حرية الصحافة في مادته ٢٤، يستثني المحتوى الذي يضر حقوق الجمهور أو المبادئ الأساسية للإسلام، ويعاقب من يبث دعاية ضد الدولة بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنة.

وسجنت إيران ٤٥ مراسلاً في ٢٠١٢، وتمارس معهم دروبًا من التعذيب وتحرمهم من الرعاية الطبية. كما صُنفت طهران التي تعهد رئيسها بحماية حقوق الصحفيين قبيل انتخابه، في المرتبة ١٦٩ من بين ١٨٠ دولة شملها تقرير منظمة مراسلون بلا حدود  في ٢٠١٦. كما أن الوضع لم يختلف كثيرًا في العام الحالي حيث احتلت المرتبة ١٦٩، وهي المؤشرات التي تزيد صورة الانتهاكات ظلامًا، ما يدفع المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى التنديد وضرورة اتخاذ خطوات فعلية لوقف تلك الانتهاكات.

 

سجناء تحت مطرقة التعذيب

ووفقًا للمؤشرات، فإن إيران هي السادسة على مستوى العالم من حيث عدد السجناء، وذلك بالإضافة إلى ما يحدث داخل السجون الإيرانية من تعذيب بشتى أنواعه، فمعتقلات قرجك، وايفين، وأفسرية، التابعة للحرس الثوري، تشهد أروقتها أبشع أنواع التعذيب وفق تسريبات تناقلتها تقارير دولية.

وبينما تحاول إيران وضع اسمها مع أكبر الدول الصناعية في العالم، يعاني عمالها من إهدار حقوقهم، فالبطالة ترتفع، والحد الأدنى للأجور بات غير كافٍ لمواجهة المستويات المتزايدة من التضخم، فأكثر من نصف الإيرانيين قد باتوا يعيشون تحت خط الفقر. بيد أن العامل الإيراني غير قادر على توصيل شكواه للسلطات، إذ تعمل الهيئات النقابية والعمالية كأدوات للدولة، في عمليات قمع لأية محاولات للاحتجاج، أو إيصال الأصوات للمسؤولين.

لذا، فإن إيران عالية الصوت في مطالبة جيرانها بحماية حقوق مواطنيها، في حين صوتها منخفض في الانتهاكات التي تحدث داخلها، بل وتصر على عدم الإقرار بها في محاولة لتحسين الوضع وتدارك الأخطاء. وباتت طهران التي طالما ضربت بالقرارات الدولية عرض الحائط، من المرجح ألا تتوانى في تكرار هذا، إلا أنها من المحتمل أيضًا أن تفكر مليًا بعد تلك الإدانات في تحسين وضع مواطنيها لتحسين صورتها خارجيًا والحفاظ على مصالحها القائمة.

وحدة الدراسات السياسية *

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر